الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

الجمال المحمدي


إن الحديث عن جمال سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يأخذ بمجامع القلوب وتشرئب إليه أعناق المحبين وعشاق المعالي، تهتز القلوب المُحبة بذكره، وتعطر الأرواح بسيرته، فسيرته وشمائله وخصاله وصفاته كالبدر يسري بضوئه؛ متعة للسامرين ودليلاً للحائرين، بل هي شمس أشرقت على الأرض بنورها الوهاج فتتلألأ وجهها ضياء ونوراً؛ وعمت بنورها الكون كله.
لقد منح الله نبيه محمدا
 صلى الله عليه وسلم الكمال البشري في كل صفاته الخَلقية والخُلقية.
فوهبه من الصفات المعنوية أقومها وأعدلها، ومن الصفات الحسية أحسنها وأجملها.
فهو صلى الله عليه وسلم أجمل الأنبياء على الإطلاق، وإن كان يوسف عليه السلام وهبه الله حظا وافرا من الحسن والملاحة والجمال لدرجة أن النسوة لم يتمالكن أنفسهن حين شاهدن حسنه، ((فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ))[يوسف: 31].
أما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتميز بصفات جسمية لا يشاركه فيها أحد، صفات كلها جمال وكمال وبهاء، جمع الله له بين شجاعة القلب وقوة البدن، وكمال الجسم، وحسن المظهر...

          خلقت مبرأ من كل عيب = كأنك قد خلقت كما تشاء

فهو أكمل الناس وإن لم يكن من الملائكة فهو أعلى من الملائكة، وأليق بحمل رسالة خالدة، وأجدر بها من خلق الله أجمعين
.
فهو الذي تم معناه وصورته = ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
منزه عن شريك في محاسنه = فجوهر الحسن فيه غير منقس
م
فهو صلى الله عليه وسلم أعطي الحسن كله والجمال كله، متوج بميزتين عظيمتين:
- أولهما: الهيبة الجلالية؛
ولذلك لم يفتتن به من يراه، كما افتتن نسوة المدينة بنبي الله يوسف الصديق عليه السلام، فمن رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هابه، للهيبة الجلالية المضافة على جماله، وكان أصحابه الكرام رضي الله عنهم لا يستطيعون إثبات النظر في وجهه الشريف لقوة مهابته ومزيد وقاره. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه" [صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسلام يهدم ما قبله].


وصحب زليخا لو رأين جبينه ** لآثرن تقطيع القلوب على الأيدي
قال القرطبي رحمه الله:"لم يظهر لنا تمام حسنه لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم".
-وآخرهما: النور الضيائي؛وهذه النورانية أصيلة فيه صلى الله عليه وسلم وهي أول ما خلق الله تعالى من الأنوار في الأكوان، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه: ((أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)) [رواه عبد الرزاق الصنعاني] وإن كان هذا الحديث فيه نظر عند أهل الحديث، فإن نورانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأولية خلقها لا تحتاج إلى دليل، فنوره صلى الله عليه وسلم ظاهر ووجوده باهر... وهذه الحقائق هي أدلة في حد ذاتها، وصدق رب العزة حيث يقول في هذا النور الأزلي الخالد: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ))[المائدة: 15].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق