الأربعاء، 12 يناير 2011

نتائج سرية مؤتة في ميزان السنن الإلهية



كانت سرية مؤتة(1)في جمادى الأولى سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). كان نصر الله للمؤمنين بعد مخاض عسير، وابتلاء شديد، قتل أصحاب اللواء، وأخذ اللواء سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه فأضرمت نيران الحرب وحمي وطيس المعركة، فقتل من قتل من المسلمين, كر الآخرون راجعين إلى المدينة، فكان النصر ليس كما عهده البشر وليس بظواهر الأحداث، ولذلك لما وصل جيش المسلمين إلى المدينة واستقبلهم الصبيان بقولهم:" يا فرار! أفررتم في سبيل الله؟(3)، لكن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أدرك حقيقة الانتصار في هذه المعركة أجابهم بقوله: (ليسوا بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله) (4)؛ ولهذا فإن النصر لا يكون دائما بظواهر الأحداث، ولا بالغنائم الكثيرة والأسارى المقرنين بالأصفاد.
وهنا أمر من الأهمية بمكان أشير إليه؛ وهو لما طعن سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه -صاحب اللواء- فقتل أخذ اللواء رجل من الأنصار ثم سعى به حتى إذا كان أمام الناس ركزه ثم قال: إلي أيها الناس! فاجتمع إليه الناس حتى إذا كثروا مشى باللواء إلى خالد بن الوليد فقال له خالد: لا آخذه منك أنت أحق به؛ فقال الأنصاري: والله ما أخذته إلا لك!(5).
ولذلك لما أبى ذلك الرجل من الأنصار القيادة رضي الله عنه (6)، وأخذ اللواء سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه ؛ وشرع في القتال حاول التخلص من هذا المأزق الضيق؛ ثلاثة آلاف من الجنود تواجه فيالق تربو عليهم سبعين ضعفا حاول الانسحاب وقتال الانسحاب شاق مرهق، خصوصا وخالد لا يريد إشعار الروم بهذه الخطة.
والعجيب أن الرومان أعياهم القتال وأصيبوا فيه بخسائر كبيرة؛ بل إن بعض فرقهم انكشف، وولى مهزوما. واكتفى خالد بهذه النتيجة، وآثر الانصراف بمن معه.
والدلالة التي تعلو على الريب في هذه المعركة أن شجاعة المسلمين وبسالتهم بلغتا حدا لم تعرفه أمة معاصرة، وقد أكسبهم هذا الروح العالي إقدامًا حقَّر أمامهم كبرياء الأمم التي عاشت مع التاريخ دهرًا، تصول وتجول لا يوقفها شيء(7).
هذا، ومما لا ريب فيه أن انسحاب سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان انتصارا للمسلمين وإن بدا في ظاهره هزيمة، لأن الثبات في وجه العدو يكون مطلوبا إذا أدى إلى هزيمة العدو والاستيلاء على أرضه، فإذا خلا من هذه الغاية، وصار وسيلة لفناء الثابتين صار الثبات غير مطلوب، ربما صار محظورا، ويكون النجاح في تخليص الجيش من قبضة العدو أو من أسره لجنوده. وهذا ما حققه خالد بانسحابه الجريء المنظم، وهذا ما لاحظه سيد العارفين محمد صلى الله عليه وسلم فقد حفظ خالد قوته وجيشه لمعارك أخرى قادمة يكون النصر فيها قريبا من المسلمين إن شاء الله تعالى(8).
ومجمل القول: فإن مقياس النصر لا يكون دائما من خلال ظواهر الأحداث، ولا بالنتائج المادية في نهاية المعارك؛كسحق قوات العدو واحتلال دياره وجمع الغنائم، وإنما قد يكون من خلال ظواهر أحداث قد لا تسرّ عامة المسلمين، وإن كانت هذه الأحداث في لبها هي عين النصر، وإن كان في الآجل وليس في العاجل. وخير دليل على هذا ما وقع في صلح الحديبية، فقد كره المسلمون الصلح ولكنه كان عين النصر والتمكين في الآجل وعلى غير النمط والأسلوب والكيفية التي رغب فيها المسلمون، ولذلك سمى الله تعالى ذلك الصلح مع قبائل قريش «بالفتح» كما جاء في سورة الفتح.
وكذلك انسحاب سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، وتخليص جيش المسلمين من الهلاك ومن قبضة الأعداء، وإبقاؤهم لمعارك قادمة، كان ذلك نصرا حقيقيا للمسلمين.
فعلى جند الله أن يفقهوا ذلك ولا يحسبوا النصر بما تشتهيه أنفسهم، فإن الغيث النازل من السماء رحمة للناس، ولكن لا يشترط أن يبقى على سطح الأرض حتى يروه، فهو رحمة وإن اختفى في باطن الأرض، وإن نصرهم وظهورهم بقدر بذل جهودهم ومساعيهم وطاقتهم وإخلاصهم في عملهم.. ورب تأخير الوصول إلى تحقيق المقصود خير من التعجل في الوصول إليه يتبعه انكسار ونكسة وتراجع.
هوامش:
(1 ) مُؤتَةُ: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام وبها كانت تُطبع السيوف وإليها تُنسب المشرفية من السيوف.
(2) طبقات ابن سعد، 2/128. مغازي ابن عقبة، ص263-265. تاريخ الإسلام، المجلد الأول(المغازي)، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، حققه وقدم له وأعد فهارسه: محمد محمود حمدان، 1/401.
(3) طبقات ابن سعد، 2/129.
(4) طبقات ابن سعد، الجزء نفسه والصفحة ذاتها.
(5) طبقات ابن سعد، 2/130.
(6) أبى ذلك الأنصاري رضي الله عنه القيادة لا هروبا من الاستشهاد ولا نكوصا عن الموت، بل شعورا بوجود الأكفأ منه في الصف، وحمله الراية خشية أن تسقط من صور الشجاعة وآيات الجرأة في أحلك اللحظات وفي هذا الموقف العصيب. وليت كل امرئ يعرف أقدار الناس فينزلهم منازلهم التي يستحقونها، فلا يكلف أمته أن تحمل سوء قيادته وعجزه وأثرته.
(7) فقه السيرة، الغزالي، ص398-400.
(8) المستفاد من القصص القرآني، 2/383.



بقلم: أ.د/أبو اليسر
Read More

نظرة حول الإدارة في عهد النبوة


قارع الصحابة الكرام رضي الله عنهم مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك في عقر داره، وبينوا هشاشته وهزله... وأسهموا في بناء الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة:
-كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسدد بالوحي، معلم الأمة ورسولها وقائدها...

-وزيرا النبي صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (...أما وزيري من أهل الأرض فأبو بكر وعمر)(رواه الإمام الترمذي في سننه، كتاب المناقب).
-صاحب السر: سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
-صاحب الشرطة: سيدنا قيس بن عبادة رضي الله عنه.
- حراس النبي صلى الله عليه وسلم وهم: سعد بن زيد الأنصاري، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعد بن معاذ، ومحمد بن مسلمة، وأبو أيوب الأنصاري، وبلال الحبشي، وزكوان بن عبد قيس، وعباس بن بشير رضي الله عنهم.
- حراس المدينة ليلا: وهم : سعد بن أبي وقاص، وبديل بن ورقاء، وأوس بن ثابت، وأوس بن عرابة، ورافع بن خديج رضي الله عنهم.
-تنفيذ أحكام الحدود: وهم: علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة والزبير بن العوام وعاصم بن ثابت وبلال بن رباح الحبشي رضي الله عنهم.
- حُجَّاب النبي صلى الله عليه وسلم: منهم: أنس بن مالك ورباح بن الأسود وأبو أنسة وعبد الله بن زغب الإيادي رضي الله عنهم.
- حاملو خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهما: سيدنا حنظلة بن الربيع وسيدنا الحارث بن عوف المري رضي الله عنهما كانا يتناوبان على حمله رضي الله عنهما.
-جمع المعلومات من الأعداء(أو ما يطلق عليه اليوم بجهاز المخابرات): منهم سيدنا عمرو الجهني رضي الله عنه.
- كُتَّاب الرسول صلى الله عليه وسلم: وقد تجاوز عددهم الأربعين -حسب ما ذكره أهل السير والمغازي-، منهم الخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم...
-جهاز الإعلام: جهاز الإعلام كان يمثله عدد من الشعراء والخطباء، كحسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، ومن خطبائه: ثابت بن قيس. .. رضي الله عنه.
-مراقبة الأسواق: تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مراقبة الأسواق في المدينة المنورة، لضمان سلامة المعاملات من بيع وشراء وكل ما يتعلق بأمور التجارة، وتوفير الجو المناسب لكل فرد دون أن يتعرض للغش والتدليس، وبعد الفتح العظيم لمكة المكرمة ولى رسول الله صلى عليه وسلم سعيد بن العاص رضي الله عنه.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بنفسه بمراقبة سوق المدينة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ: « مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ ». قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»(رواه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا).
-بيت الضيافة: اتخذ منزل رملة بنت الحارث الأنصارية رضي الله عنها بالمدينة المنورة بيتا للضيافة، تنزل فيه الوفود القادمة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلف بخدمة الضيوف سادتنا: بلال الحبشي وثوبان وموالي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم.
-خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة: كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما خرج في غزوة من الغزوات إلا واستخلف على المدينة أحد الصحابة رضي الله عنهم، لحراسة أهلها وإقامة الصلاة فيهم، وهم:
في غزوة الأبواء سعد بن عبادة رضي الله عنه.
وفي غزوة بواط: السائب بن عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
وفي غزوة العشيرة: أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه .
وفي غزوة سَفَوان (بدر الأولى)، والمريسيع: زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وفي غزوة بدر الكبرى، والسويق، وبني قينفاع: أبو لبابة بن عبد منذر رضي الله عنه.
وفي غزوة قرقرة الكدر، ودومة الجندل، وخيبر ووادي القرى: سِباع بن عُرفُطة رضي الله عنه.
وفي غزوة غطفان: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي غزة أحد وحمراء الأسد، وبحران، وبني النضير، والأحزاب، وبني قريظة، وبني لحيان من هذيل، والغابة: ابن أم مكتوم رضي الله عنه.
وفي غزوة بدر الموعد: عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري رضي الله عنه.
وفي عمرة الحديبية: نميلة عبد الله الليثي رضي الله عنه.
وفي غزوة ذات الرقاع: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أو عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفي عمرة القضاء: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وقيل عُوَيْفَ بْنَ الْأَضْبَطِ الدّيلِيّ رضي الله عنه .
ويوم الفتح الأعظم لمكة المكرمة: : أَبو رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ الْغِفَارِيّ رضي الله عنه.
وفي غزوة حنين والطائف: أَبو رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ الْغِفَارِيّ رضي الله عنه على المدينة المنورة.وعَتّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ رضي الله عنه على مَكّةَ المشرفة. ومعاذ بن جبل رضي الله عنه معلما لأهلها رضي الله عنهم.
وفي غزوة تبوك: محمد بن مسلمة رضي الله عنه ، وقيل: بل سباع بن عرفطة رضي الله عنه، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أهله وأمره بالإقامة فيهم.
إلى غير ذلك من المَهمات التي كُلف بها الصحابة رضي الله عنهم في هذه الدولة الإسلامية الجديدة، كما قاموا بحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية، والتزموا بمعاهدة المدينة...
ومن كل ما سبق يتضح لنا جليا أن الإسلام دعوة ودولة، جهاد وتربية، مسجد ومجتمع، منهاج حياة...

الدكتور أبو اليسر رشيد كهوس

Read More