السبت، 28 يناير 2012

الاحتفال بمولد النور صلى الله عليه وسلم


لقد كان سيد الوجود وأكرم السابقين واللاحقين يحتفل بيوم مولده كل أسبوع بصيام يوم الاثنين؛ وللأمة أن تحتفل بيوم ميلاده كيف شاءت ما دام الاحتفال في دائرة الشرع، فمن فرح برسول الله صلى الله عليه وسلم فرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لزم غرزه سعد في الدنيا والآخرة، ومن أحبه كان معه في الجنة.. ومن بحث عن السبل الموصلة إلى محبته الشريفة حقق الله له مراده وبلغه مبتغاه... والفرح بسيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم والاحتفال بيوم مولده دليل من دلائل محبته.



قال أبو القاسم البرُزلي : ( ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم يعتنى به في الحواضر تعظيما له صلى الله عليه وسلم . وكان شأن أهل الخير إحياء ليلة المولد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومعونة آله ومساهمتهم والإكثار من الصدقات وأعمال البر وإغاثة الملهوف ، مع ما تستجلبه المسرة من مباح اللهو المرخص في مثله بنص السنة).

 وقال العلامة المجتهد الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله إذ قال : ( دعاني إليه الاتساء بأفاضل الأمة الذين ألهمهم الله صرف الهمة إلى العناية بتعظيم اليوم الذي يوافق من كل عام يوم ميلاد محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام إذ كانوا قد عدوه عيدا ، ورموا برشيق نبل عقولهم بذلك مرمى بعيدا ، علمناه من قوله تعالى في التنويه بشهر رمضان: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)[ البقرة: 185] ، فأي يوم أسعدُ من يوم أظهر الله فيه للعالم مولودا كان المنقذ من الضلالة ، أخرج به الناس من ظلمات الشرك ومناقص الجهالة ، وإذا كانت الأعياد الثابتة في الدين قد جاءت على مناسبة الفراغ من عبادات مشروعة ، فذكرى الواسطة العظمى في تبليغ ذلك يحق أن تكون مشيدة مرفوعة ).
قلت: ونفهم من إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة شهر ربيع الأول بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين : « ذاك يومٌ ولدت فيه » تشريف لليوم ، وبدلالة التلازم هو تشريف للشهر الذي ولد فيه ككل أيضا ؛ فينبغي أن يحترم حق الاحترام ، ويفضل بما فضل الله به الأشهر الفاضلة . وهذا منها ؛ لقوله عليه السلام في الحديث الحسن : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » وقوله : « آدم فمن دونه تحت لوائي » .

قال ابن الحاج العبدري ، وهو أحد المحاربين للبدع في كتابه الماتع « المدخل » : (وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله به من العبادات التي تفعل فيها ؛ لما قد عُلِمَ أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها ، وإنما يحصل لها التشريف بما خصت به من المعاني. فانظر إلى ما خص الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين ؛ ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه ؟ فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به اتباعا له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات ).

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذم البدع فقال : « كل بدعة ضلالة » ، فإنه قد أثنى على من أحدث السنن الحسنة وشجع فقال: ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة )؛ وقد حسن الحافظ ابن حجر العسقلاني ،رحمه الله، سنة الاحتفال وخرج ذلك ( على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله تعالى . قال : فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ).

وثبت أن الكثير من العلماء وعلى رأسهم أبا الطيب محمد السبتي المالكي القوصي ـ وهو أحد العلماء العاملين ـ كان يمر على الكتاتيب القرآنية في اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا فقيه ! هذا يوم سرور، اصرف الصبيان، فيصرفهم . وهذا دليل على تقريره وعدم إنكاره وهو من هو جلالة قدر وتمكن من العلوم مع الورع ، وقد أخذ عنه أبو حيان صاحب البحر المحيط وغيره .

وقد جاء في كتاب« الباعث على إنكار البدع» لعبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة: أن ( البدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها ،وهي كالمبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي،وذلك نحو بناء المنابر، والربط، والمدارس، وخانات السبيل، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول ، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى،ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ؛ ما كان يفعل بمدينة إربل ، جبرها الله تعالى، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء ، مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله ، وشكرا لله تعالى على مامن به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسلين .

وجاء في فتوى ابن عباد الرندي أوردها الإمام الرصاع في « فهرسته » قال: (إن هذا اليوم عيد من أعياد المسلمين، لظهور نور خير الخلق فيه وسيد المرسلين، فالتزين فيه بأحسن الثياب من اللباس، واستعمال الطعام، وإظهار المحبة بالركوب على أحسن الدواب، وكثرة الصلاة عليه، وإنشاد القصائد في صفته، وتزيين الأولاد والمكاتب بما يجوز شرعا:لاشك في جواز ذلك كله إذا سلم من البدع المحرمة التي لا يجوز تعظيم شعائر الله تعالى بها )اهـ.

  وقال الإمام السيوطي في: الحاوي للفتاوي باب:"حسن المقصد في عمل المولد" قال:أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؛ لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".
فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له صلى الله عليه وسلم في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات .
ألا ترى إلى قول البخاري رحمه الله تعالى { كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان } فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا ( فصل ) فإن قال قائل قد التزم عليه".
ومما أجازه أيضا الإمام المحدث الفقيه أبو شامة شيخ الإمام النووي، قال في رسالته : (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين).

قال الإمام السيوطي : (وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نِقْمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سَنَة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيَّة نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبيّ الرحمة في ذلك اليوم).
وقال الإمام الشهاب أحمد القسطلاني شارح البخاري: في كتابه المواهب اللدنية: (فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء).

وأجازه الإمام العلاَّمة الشّيخ محمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي (ت:930 هـ) في كتابه (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار) قال: (فحقيقٌ بيومٍ كانَ فيه وجودُ المصطفى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخذَ عيدًا، وخَليقٌ بوقتٍ أَسفرتْ فيه غُرَّتُهُ أن يُعقَد طالِعًا سعيدًا، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، واحذروا عواقبَ الذُّنوب، وتقرَّبوا إلى الله تعالى بتعظيمِ شأن هذا النَّبيِّ المحبوب، واعرِفوا حُرمتَهُ عندَ علاّم الغيوب، "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ".

وقد أكد الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن هناك من يعتبرون أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة في الدين وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وقال: "هذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي.
وأضاف: إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!
ونقل الموقع الرسمي عنه قوله: إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة، يذكرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها.
و أضاف في آية أخرى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيدهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

** خلاصة المرام في تحقيق المقام:
ومتى عرفنا أن المولد استحسنه العلماء والمسلمون من مئات السنين وجرى به العمل في كل صقع حتى عصرنا، انطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود:«ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح» [أخرجه الإمام أحمد]؛ وفي الحديث الآخر عنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:«من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتبت له مثل أجر من عمل بها ولا ينقض من أجورهم شيء »!
هذا وقد اختص الله تعالى حبيبه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأشرف الخصائص، بما منحه من التكريم بمقام النبوة ـ وعصمه عن الرذائل والنقائص، وأتاه الدرجة العالية الوسيلة والدرجة الرفيعة في مقامي الدنيا والآخرة ؛ أعظِم بها من نعمة فاخرة، صلى الله عليه وسلم صلاةً ننتفع بها في كل شدة، وندخرها في المعاد أعظم عُدة فلابد لنا من المبادرة جميعا إلى الاهتداء بهديه، قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)[ النساء :80]، وقال عز من قائل: (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)[ الأحزاب:21].
ومن أعظم المقاصد في الاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، هو التذكير بخصوصيات هذا النبي الكريم الذي جاء فأخرج قومه من الظلمات إلى النور ، ومن الغواية إلى الهداية ...

  ونحن نفرح بالرحمة المهداة وبفضل الله علينا حيث أرسل إلينا خير رسله في كل يوم ويزداد فرحنا وسرورنا في يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم لأنه اليوم الذين أشرق فيه نور الله على الأرض والناس في ظلمات، قال الله عز اسمه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)) (سورة يونس).
نحتفل به وبمحبته وسنته الشريفة في كل الأوقات ويزداد سرورنا به في يوم ميلاده ونتذكر ذلك اليوم الذي ولد فيه منقذ البشرية ومخرجها من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن الطائفية والنعرات القبلية إلى الأخوة، ومن الخلاف والشقاق إلى التعاون والتفاهم... نتذكر نعمة الله الكبرى علينا، ونذكر بها: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55)، ونذكر بأيام الله ومولده صلى الله عليه وسلم من أيام الله، والله تعالى يقول: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) (سورة إبراهيم:5)، ونفرح برحمة الله وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله للناس جميعا: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (سورة يونس:58).

ولا يفوتني هنا أن أتساءل بعقلية الأصولي : ما دلالة قول سيدنا عيسى عليه السلام، {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }[مريم : 33]، وقد يقول قائل إنه قول رسول كريم، وأقول إن العبثية لا شأن لها في سنن الله ولا في تشريعه. وقول النبي له دلالته، ومكانته التشريعية، فلم يأت عبثا.
ثم ما بالنا نقف عند قول رسول عليه السلام فلنرفع الأمر درجة لنستمع إلى الله جل علاه وهو يمجد {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً} [مريم : 15] .
والأصولي ينقب عن دلالة الأمر الذي يعظمه الله جل شأنه، ومكانته التشريعية ليجد الأصوليون قد أجادوا في بيان دلالة هذا الأمر وأوضحوا.
فالملاحظ أن الآيتين جاءت لتفخيم الحدث وتعظيمه، وهو ما يفيد الأمر حسب ما جاء به العز بن عبد السلام حيث يقول في كتابه الإمام في بيان أدلة الأحكام :" وأن تفخيم الفعل ومدحه ترغيب فيه وحث على فعله".
وقال أيضا وتعظيم الفعل إن كان في سياق مدح دل على الأمر".
من هذه الضوابط أستنتج بأن العناية بعيد الميلاد حدث مهم ينبغي للمرء تعظيمه بأجل الأعمال كما فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث: [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه وأنزل علي فيه ] (االراوي: أبو قتادة الأنصاري المحدث: ابن جرير الطبري، والحديث صحيح).
فكان من أجل تعظيم ذلك اليوم يصومه وفق ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
[ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى على رجل ، فقالوا : ما أفطر منذ كذا وكذا ، فقال : لا صام ولا أفطر ، فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه قال : يا رسول الله ، صوم يومين وإفطار يوم ؟ قال : أو يطبق ذلك أحد ؟ ! يا رسول الله ، صوم يوم وإفطار يوم . قال صلى الله عليه وسلم : ذاك صوم أخي داود . قال : يا رسول الله ، صوم يوم وإفطار يومين ؟ قال صلى الله عليه وسلم : من يطبق ذلك ؟ قال : يا رسول الله ، صوم يوم الاثنين ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم أنزل علي فيه النبوة . قال : يا رسول الله ، صوم يوم عرفة ، ويوم عاشوراء ؟ قال صلى الله عليه وسلم : أحدهما يكفر سنة ، والآخر يكفر ما قبلها وما بعدها ] (الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: المطالب العالية - الصفحة أو الرقم: 1/431 خلاصة حكم المحدث: المحفوظ عن عبد الله بن [معبد]، عن أبي قتادة بطوله، أخرجه من ذلك الوجه مسلم).

Read More